من هو اليتيم ؟ : فى مادة ( يتم )
اليتيم : كما تطالعنا به كتب اللغة هو :
الفرد من كل شيء. يقال : بيت يتيم ، وبلد يتيم. ومن الناس من فقد أباه.
ومن البهائم من فقد أمه.
وحيث كانت الكفالة في الإنسان منوطة بالاب كان فاقد الاب يتيماً دون من فقد أمه.
وعلى العكس في البهائم ، فإن الكفالة حيث كانت منوطة بالام كذلك كان من فقد أمه يتمياً.
وقد حدد اللغويون نهاية هذا العنوان فقال الليث : اليتيم ، الذي مات أبوه ، فهو يتيم حتى يبلغ الحلم فإذا بلغ زال عنه إسم اليتم.
وهكذا قال غيره من علماء اللغة.
سبب التسمية باليتيم
الذي يظهر مما يقوله أهل اللغة في هذا الصدد هو : أن التسمية بهذا الاسم منشأها ... عدم الاعتناء الذي يلاقيه من فقد كفيله وهو بهذا السن من العمر حيث صرح بمثل ذلك من تضلع بتتبع هذا النوع من المصطلحات.
يقول المفضل : أصل اليتم الغفلة ، وبه سمي اليتيم يتيماً لانه يتغافل عن بره.
أما أبو عمر فقال اليتم : الإبطال ، ومنه أخذ اليتيم لأن البر يبطيء عنه
اليتيم في القرآن والسٌنة :
ليس من السهل ضبط حصة اليتيم من السنة الكريمة على النحو الدقيق.
أما حصته في القرآن الكريم فقد تعرضت الآيات له في اثنين وعشرين آية (1) مقسمة إلى أقسام ثلاثة :
تعرض القسم الأول منها إلى بيان شمول اللطف الإلهي له في الشرائع السابقة ، والايصاء به.
أما القسم الثاني : فقد تعرض إلى بيان حقوقه الإجتماعية. وقد تركز القسم الثالث على بيان حقوقه المالية.
كما وقد تناولت الآيات الكريمة بشكل خاص يتامى آل النبي محمد (ص) تمييزاً لهم في بعض الحقوق المالية عن بقية اليتامى لاداء بعض ما للنبي الاكرم (ص) من حق على الناس.
اليتيم في الشرائع السابقة :
لو لاحظنا اليتيم لرأيناه : طفلاً من الاطفال فقد كفيله ، وحرم من تلك العواطف الابوية ، ولكنه لم يفقد الرحمة الإلهية حيث إحاطته فكانت
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ وهي كما يلي :
سورة البقرة : آية ( 83 ، 177 ، 215 ، 230 ).
وسورة النساء : آية ( 2 ـ 3 ، 6 ، 8 ، 10 ، 36 ، 137 ).
وسورة الأنعام : آية ( 153 ) ، وسورة الانفال آية ( 41 ) وسورة الاسراء آية : ( 17 ) وسورة الكهف : آية ( 82 ) ، وسورة الحشر : آية ( 7 ) وسورة الإنسان : آية ( 8 ) وسورة الفجر : آية ( 17 ) وسورة البلد : آية ( 15 ) وسورة الضحى آية ( 6 ، 9 ) وسورة الماعون آية ( 2 ).
الحصة الوافرة في التشريع من الحث على ضرورة التزامه ، والامن بعدم التجاوز على حقوقه ، والترغيب في جلب مودته ، والتلطف به لئلا يشعر بالوحدة والانعزال ، ولئلا يكون فريسة لشهوات أولئك الذين لم تجد الرحمة إلى قلوبهم سبيلاً.
ولم يكن هذا المعنى من مختصات شريعتنا الاسلامية المقدسة بل كانت هذه الرعاية سنة الله في خلقه قبل أن يقوم للاسلام كيان ، فرعاية اليتيم ، والمحافظة عليه كانت من جملة بنود الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل من قبل. فالقرآن الكريم يحدث النبي (ص) عن هذا الميثاق المقدس ويوضح له ذلك في الآية الكريمة التالية :
« وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة »
فعن رسول الله (ص) أن عيسى بن مريم ( عليه السلام ) مر بقبر يعذب صاحبه ، ثم مر به من قابل ، فإذا هو ليس يعذب فقال : يا رب مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذب ، ثم مررت به العام ، فاذا هو ليس يعذب فأوحى الله عز وجل إليه : يا روح الله ... أنه أدرك له ولد صالح ، فأصلح طريقاً ، وأوى يتيماً ، فغفرت له بما عمل إبنه
وفي مشهد آخر من المشاهد التي نرى فيها رعاية اليتيم واضحة عبر الشرائع السابقة نرى القرآن الكريم يتعرض لقصة النبي موسى (ع) مع العبد الصالح ( الخضر ) (ع) حيث وجدا في سفرهما « جداراً يريد أن
(19)
ينقضي فأقامه » وأصلحه الخضر بدون أجر يأخذه على ذلك العمل. لذلك كان هذا المنظر غريباً على موسى.
« قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً » (1).
وتمر لحظات ينتظر فيها موسى الجواب الشافي من الخضر فاذا به يكشف الحقيقة قائلاً :
« وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري » (2).
لقد حفظ الله بعنايته لهذين اليتيمين كنزهما المذخور جزاء لصلاح ابيهما وقد ذكرت كتب التفسير أنه كان ذلك جزاء صلاح أب لهما بينهما ، وبينه سبعة آباء.
وهكذا كان صلاح الآباء مثمراً في حفظ حقوق الذرية ورعاية ما اودع لهما من كنز مالي ، أو علمي على اختلاف ما جاء في التفسير من هذه الجهة ، وبيان نوعية الكنز.
كما كان صلاح الولد مثمراً في رفع العذاب عن الاب المقبور فيما سبق من قصة عيسى ـ عليه السلام ـ ومروره على أحد القبور.
أن هذه الآثار الدنيوية هي النتائج المترتبة على حسن نية المرء في حياته اتجاه الآخرين فكما تدين تدان.
وجلت عظمته حيث يقول :
فمن يعمل مثال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثال ذرة شراً يره » (1).
وفي موضع آخر من كتابه الكريم قال
« ان تك مثال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين»
لقد مرت هذه الادوار بالرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ يوم فقد أباه وهو طفل فقيض الله له جده عبد المطلب ( شيخ الابطح ) ليقوم برعايته ، وتربيته فقد شاءت الحكمة الإلهية أن يذوق المنقذ الاول للانسانية مرارة اليتم ، فيفقد الحنان الابوي لولا أن يعوضه الله بمن سد له هذه الخله ليطبق الدرس تطبيقاً عملياً فتسير الامة على هداه ، وتنحو هذا النحو من السلوك الذي تتمخض نتائجه بالتوجيه الصالح للافراد.
1 ـ « ألم يجدك يتيماً فآوى ». ـ إيواء اليتيم :
2 ـ « ووجدك ضالاً فهدى ». ـ
3 ـ « ووجدك عائلاً فأغنى ». ـ الانفاق على اليتيم
4 ـ « فأما اليتيم فلا تقهر » (1).
هذه الآيات الكريمة جمعت بين طياتها درساً كاملاً لكل ما يحتاجه اليتيم في الحياة الاجتماعية.
فهي الدستور الذي لابد من تطبيقه للوصول إلى الغاية السامية من رعاية حقوق الضعفاء
مع الله
ومن بين تلك الاساليب التي تجلب الانتباه هو ما يسلكه القرآن في سبيل تشويق الافراد الى الانفاق بجعل عملية العطاء عملية مقايضة بين الانفاق ، والجزاء منه على هذا العمل الانساني.
وبذلك يكون المنفق قد سد خلة اجتماعية بمساعدته لهؤلاء المحتاجين والله لا يحرمه على هذه الاريحية بل يعوضه في الدارين :
في هذه الدنيا بزيادة الربح ، والبركة في ماله. وفي الآخرة بالثواب الجزيل.
وتتوالى الآيات الكريمة لتعطينا صورة واضحة عن هذه الاتفاقية بين العبد ، وربه.
« وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور » (1)
« فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير » (2)
« مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم » (3).
« ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل حبة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير »
1 ـ سورة فاطر : آية ( 29 ).
2 ـ سورة الحديد : آية ( 7 ).
3 ـ سورة البقرة : آية ( 261 ).
4 ـ سورة البقرة : آية ( 265 ).